عدنا الى المربع الأول، وبات المشهد على النحو الآتي: الدول الاعضاء في اللجنة الخماسية التي تحاول مساعدة لبنان على ايجاد حل للاستحقاق الرئاسي المعطّل، أصيبت بلعنة لبنانية، وراح كلّ يغني على ليلاه. تحولت اللجنة الخماسية الى سوق عكاظ تتضارب فيها المصالح والحسابات. القوى السياسية المحلية التي تقاسمت وتحاصَصت وهدرت وخالفت الدستور ودمرت البلد ومؤسساته وسَطَت على اموال الشعب من دون أي محاسبة، ما زالت تتشارك تعطيل البلد وقهر الناس، بعدما تخلّت عن مسؤولياتها وتركت مسألة سيادية كبرى كانتخاب رئيس للجمهورية في يد الخارج.
ومن المفارقة أنّ الفريق الذي يرفع شعار السيادة بمناسبة وبلا مناسبة، ترك أمر الرئاسة السيادية الى الخارج عندما رفض مبدأ الحوار الداخلي، من دون أي يقدم أي طرح بديل. وبما ان المواقف على هذه الحال من العناد والمكابرة وقصر النظر تمسّكاً بمصالح ومكتسبات شخصية وفئوية، وتغطيتها بشعارات ذهبية مضللة، فإن هذه المراوحة قد تدوم وتدوم حتى الانهيار الكامل وانحلال الدولة.
في هذا الوقت، يهاجر اللبنانيون ويتدفق النازحون وتستمر ثرثرة المسؤولين في كلام فارغ، ويتعرض الامن الى اهتزازات بالجملة والمفرق، ساعة في مخيم عين الحلوة، وساعة بإطلاق نار على سفارة الولايات المتحدة الاميركية في عوكر، ناهيك عن جنون تفشّي جرائم القتل المتنقلة.
هذا هو الواقع المؤلم الذي يراه العالم كله ويعمى عنه حفنة من السياسيين لم يكتفوا بما ارتكبت أيديهم على مدى سنوات وسنوات في حق البلد وأهله.
تحذير أممي متواصل
وفي السياق، بُح صوت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانّا فرونِتسكا وهي تحثّ الطبقة السياسية على القيام بواجباتها، وكررت أمس أن «الفراغ الرئاسي والمأزق السياسي والأزمة الاجتماعية والاقتصادية والمالية الممتدة كلها عوامل تقوّض قدرة مؤسسات الدولة على القيام بوظائفها، مما يعمّق الفقر وعدم المساواة ويعرّض استقرار البلاد للخطر».
وقالت: «إنّ تزايد حدة الاستقطاب السياسي وتعنت المواقف يهددان التماسك الاجتماعي في لبنان والشعور بالانتماء بين أبناء شعبه. لذا، ينبغي على القادة السياسيين العمل من أجل المصلحة الوطنية والبحث عن حلول واقعية وعملية من أجل مستقبل أفضل لبلادهم».
وأكدت على أهمية الالتزام بالدستور اللبناني واتفاق الطائف وقرارات مجلس الأمن المتعلقة بلبنان وبالأخص القرار 1701 (2006). وقالت: «في إطار القرار 1701، أتاحت جهود اليونيفيل بالتنسيق مع الأطراف المعنية تحقيق الهدوء والأمن على طول الخط الأزرق منذ العام 2006، الا أن إرساء الاستقرار والسلام الدائم في المنطقة يتطلب من الطرفين تنفيذ التزاماتهما العالقة التي يوجبها القرار 1701».
الاعتداء على السفارة الاميركية
أمنياً، استأثر الاعتداء على السفارة الاميركية باهتمام القوى السياسية والامنية فيما بدأت الأجهزة الأمنية اللبنانية تحقيقًا في إطلاق النار، في وقت متأخر من ليل امس الاول خارج السفارة الأميركية في عوكر، ولم يسفر عن وقوع إصابات.
وفيما لم يعلن أي طرف مسؤوليته عن إطلاق النار قرب مدخل المجمع شديد التحصين، قال المتحدث باسم السفارة جيك نيلسون في بيان، انه «لم تقع إصابات، ومنشآتنا آمنة... ونحن على اتصال وثيق مع سلطات إنفاذ القانون في البلد المضيف».
وقال مسؤول لبناني لم تكشف وكالة أسوشيتد برس عن هويته، إنه بعد وقت قصير من إطلاق النار، اتخذ الجيش اللبناني إجراءات قرب السفارة، وبعد ذلك بدأت الأجهزة الأمنية تحقيقًا، بما في ذلك تحليل الكاميرات الأمنية في المنطقة.
وكانت الأجهزة الأمنية اللبنانية قد سارعت الى إلى قطع الطريق أمام السفارة، وباشرت على الفور مسح المنطقة، بينما وضع مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي يده على التحقيق في الحادث، وكلّف مديرية المخابرات في الجيش اللبناني إجراء التحقيقات الأولية وتكثيف التحريات لكشف هوية المسلح الذي أطلق النار وتوقيفه. وقد ضبطت حقيبة حملها المسلح وأخفى بداخلها رشاشه والذخيرة.
وأفادت المعلومات الاولية بأنّ الجاني راقَب المكان مسبقاً واختار التوقيت المناسب لإطلاق 15 رصاصة على مدخل السفارة في منطقة عوكر، ثم ألقى الحقيبة التي كان يحملها وممشطين عائدين لرشاش (كلاشنيكوف) في المكان، وفرّ.
وأبلغ مصدر أمني الى «الجمهورية» ان نوعاً من الغموض يحيط بعملية إطلاق النار على مقر السفارة الاميركية في عوكر، مشيرا الى ان التحقيقات مستمرة لتجميع الخيوط وتظهير صورة ما جرى.
واوضح المصدر ان ملابسات الحادثة تخضع الى التدقيق لكشف التفاصيل المتصلة بها، «وهناك تساؤلات عدة في شأنها ينبغي أن يجيب التحقيق عنها»، لافتاً الى ان مخابرات الجيش استلمت هذا الملف.
بري بدأ يتلقّى أجوبة
وفي السياق، علمت «الجمهورية» ان رئيس مجلس النواب نبيه بري بدأ يتلقى اجوبة رسمياً حول المشاركة في طاولة الحوار من بعض الكتل النيابية والتغييريين الذين أبدى معظمهم رغبة بالمشاركة.
وقالت مصادر مطلعة عن كثب على الإتصالات حول طاولة الحوار المزمع عقده في مجلس النواب: سننتظر لودريان الذي اكد انه عائد وحتى الان لم يقل عكس ذلك، لذلك سيكون هناك بعض التريّث والتأجيل ريثما تتضح الصورة علما انه جرى تضخيم الحراك الخارجي…
وعلمت «الجمهورية» ان الرئيس بري ارسل دعوات رسمية لكتلتي «الجمهورية القوية» و«تكتل لبنان القوي». وقد اجابت «القوات» بموقف مبدئي رافض للحوار، بينما أجاب باسيل بأطروحة تتضمن البنود التي قارَبها بيان اللجنة السياسية في التيار، وطلب الحوار حول البرنامج والمواصفات والاسم، الامر الذي وصفته مصادر نيابية بأنه أسوأ من رفض الحوار.
حوار «حزب الله» - «التيار»
اليوم تعقد جولة جديدة من النقاش، بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر» حول اللامركزية الادارية، يجريها النائبان علي فياض والان عون الذي قال لـ«الجمهورية»: سنستكمل عملنا بإيجابية، والاكيد انّ هذا الامر سيأخذ وقتاً لأنّ فيه الكثير من التفاصيل ويحتاج الى تعميق بالنقاشات، لكن بكل الأحوال سنستنفد هذه الفرصة الى اقصى الحدود رغم ادراكنا انها صعبة، انما يمكن ان تشكل احد عناصر اتفاق سنحتاجه لحظة نضوج التسوية حول الاسم ولو بعد حين.
مصادر متابعة للحوار بين الحزب والتيار قالت لـ«الجمهورية»: انّ باسيل يسير حاليا بمنطق واحد وهو اخذ الحزب الى خيار ثالث، وقد وضع جانباً الفكرة التي انطلق منها الحوار وهي القبول بفرنجية مقابل الاتفاق على بندين: اللامركزية والصندوق الائتماني. وقد ادخل اليهما مؤخراً برنامج الرئيس، ما يعني انه بدأ بالقفز والتسويق لعدم سيره بفرنجية.
ورأت المصادر ان الكلام الاخير لباسيل هو نعي للحوار بينه وبين الحزب بمنطلقاته، ودعوة مباشرة لحرفه عن مساره. واستغربت المصادر النيران التي بدأت تطلق على الحوار من قبل مقرّبين من باسيل قبل اعطاء فرصة للحوار بأن يصل الى نتيجة، حتى ان باسيل نفسه أظهر نوعاً من التراجع…
مصادر قريبة من «حزب الله» اكدت لـ«الجمهورية» انّ مرشحها لا يزال فرنجية. وقالت: «نحن نسير بالحوار على هذا الاساس، وبما ان التوقعات اصبحت مختلفة فاستكمال الحوار اصبح يحتاج الى بحث».
ميقاتي يحذّر من النزوح
في نيويورك، قال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي في كلمته خلال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة ان «لبنان يُكابِد اليوم في مواجهة أزمات عديدة ومتداخلة، في ظل نظام دولي أصابه الوهن، ومناخ إقليمي حافل بالتوترات والتحدّيات، تُرخي بثقلها على الشعب اللبناني الذي يُعاني يومياً من فقدان المقوّمات الاساسية المعنوية والمادية التي تُمكّنه من الصمود، والتي تُضاف إليها هجرة الأدمغة والشباب.
وشدد على أن «أولى التحدّيات تكمُن في شغور رئاسة الجمهورية وتَعَذّر انتخاب رئيسٍ جديد للبلاد، وما يستتبع ذلك من عدم استقرار مؤسساتي وسياسي، ومِن تفاقُمٍ للأزمة الاقتصادية والمالية، وتَعَثّر في انطلاق خِطط الإصلاح والتعافي الاقتصادي والمالي الذي يُعوِّل عليه اللبنانيون لإنقاذ البلد من الأوضاع الصعبة».
وأشار ميقاتي إلى أن «12 عاماً مرّت على بدء الأزمة السورية، وما زال لبنان يرزح تحت عبء موجات متتالية من النزوح طالت تداعياتها الاقتصادية والاجتماعية كافة مظاهر الحياة فيه، وباتت تُهدِّد وجوده في الصميم، ورغم إعلائنا الصوت في كافة المنتديات الدولية، وفي هذا المحفل بالذات، ما زال تَجاوب المجتمع الدولي مع نتائج هذه المأساة الإنسانية، وتداعياتها علينا، بالغ الخجل وقاصراً عن معالجتها بشكلٍ فعّال ومستدام». وحذّر مُجدداً «من انعكاسات النزوح السلبية التي تُعمّق أزمات لبنان، الذي لن يبقَى في عين العاصفة وحده». وقال: «أُكرّر الدعوة لوضع خارطة طريق بالتعاون مع كافة المعنيين من المجتمع الدولي، لإيجاد الحلول المستدامة لأزمة النزوح السوري، قبل أن تتفاقم تداعياتها بشكلٍ يخرج عن السيطرة».
حل النزوح مفقود
وتعقيباً على عجز السلطة اللبنانية عن معالجة ازمة النازحين، قال مصدر دبلوماسي لـ«الجمهورية»: انّ الحل لا بد أن يكون بين المجتمع الدولي وسوريا، وانّ ألف زيارة من مسؤولين لبنانيين الى دمشق لا يمكن أن تحل هذه المعضلة، لأن السلطة السورية تريد مساعدتها في اعادة إعمار البنى التحتية مقابل اعادة مدروسة للنازحين، فيما المجتمع الدولي يخدم دمشق برفضه اعادة النازحين، كما يرفض تقديم أي مساعدة قبل ايجاد حل سياسي في سوريا. وبالتالي، يدفع لبنان والدول المجاورة أثمان هذه السياسات، والعبء الاكبر والاخطر يقع على لبنان خاصة انه يعاني أزمات مصيرية اجتماعية ومالية واقتصادية وسياسية.